خيانة مرضيّة - قصّة/رسالة.

حبيبتي..
بأية كلمات أواجهك، أي كلمات ستنقذني هذه المرة.
هذه المرة، يتصادم كل شيء، يصبح الأمر شبيها بقطع الدومينو التي تتساقط قطعة تلو الأخرى، تكون كل قطعة سببًا في سقوط القطعة الأخرى، حتّى يقع السقوط المدوّي الكبير..
خيانة، و وَرم..
لا يقبل أحدهما التصديق أكثر من الآخر.
خبران من النوع الثقيل..
حبيبك، الذي يعشقك، كاهن معبدك، مجنونك، يخونك؟ أتظنيني أنني سأنكر الخطأ الكبير؟ ما سأفسره فقط أن ما وقع لم يكن سوى مازوشية مريرة مني، هوًى بتعذيب نفسي، بتحسيسها بالذنب و بعدمية الأشياء، لا تعلمين كم يتضاعف ذلك الاحساس بلا عدمية الأمور حين تحس باقتراب النّهاية..
كان الأمر حين دخلت لقسم الاستعجالي في مارس الفارط، باصرار شديد من أمي توجهت الى طبيب مختص في الامراض القلبية، لتكن النتيجة صادمة، ورم سرطاني في أولى مراحله.. ورم ليفي ملس ،لا يتعدى معدل اصابته المرة في
في السنة، لتصيبني تلك المرة، بورم لا يمكن علاجه حتى بالعلاج الكيميائي، بل بطرق ملتوية ..
أصابني الهلع، سقط كل شيء، سقطت أنا من مرتفعات الاشياء التي كنت أحلم بها، رأيتك أنتِ و أصدقائنا و مدرسة المهندسين و معرض لوحاتي و و أمي و أبي و اخوتي رحمة و غسان و مرام و ابننا قَمر بقدميه الصغيرتين و عينيه الكبيرتين و شعره الأسود و ابتسامته العريضة و غرفة نومنا و شعرك البني و عيناك العسليتان و شفتاك الرائعتان و ذهابنا و مجيئنا و قبلاتنا و حديثنا و صراخنا و ضحكنا و بكاءنا و نومنا و حبّنا و همساتنا و المحاضرات في الكلية و المشربة و الدروس و الأوراق و الأقلام و الأساتذة و العميد و اتحاد الطلبة و حجرة سقراط التي كنا نزروها في كلية الحقوق و كل شيء..
انهار كل شيء على رأسي، مدوّيا ثقيلا..
دخلت في مرحلة جنون هستيرية، لا علاقة لها بأي تصرّف عقلاني أو صحيح.
مالذي يجب أن أفعله قبل أن أموت؟ هل أخبرك؟ لا، أبدا ، يجب أن أخفي عنكِ الأمر، يجب أن تستمر حياتنا طبيعية لا تشوبها شائبة.
لا أيضا، لا هذه و لا تلك، لا يجب أن تمضي حياتك مع عليل لن يستمر طويلاُ، يجب أن أتحوّل الى سافل كي تكرهيني، يجب أن لا تشعري بالذنب ، كيف أشعر حبيبتي بالذنب و بلوعة الفقدان؟ يجب أن أكون ذلك الدنيء الذي يخونها فتتركه مرتاحة الضمير و تعيش سعيدة.
لم أتحمل قيامي بالخيانة، قمت بالتقيأ على صدار أول عاهرة تأتي الي، فقامت بلملة أدباشها متقززة، و لم تتغير السيناريوهات في المرتيْن الأخريين، قمت بطرد الثانية و الاختباء في المرحاض كالجرذ، و بالدخول في هيستيريا من الصراخ و السباب أمام الثالثة.
لم أكن أنا حينها، كان الورم يحرّكني، كان الموت المقترب يرسم قراراتي العرجاء التي يتخذها، لكن في نفس الوقت كنت أتمزق من الداخل و أنا أرى ذنوبي أمام آلهتي تتعاظم، أي ماء سيغسلني أمامك؟ أي قربان سيجعلني أحظى بالمغفرة منك؟
كم من الخيانات تقع، و تكون نتيجتها كارثية، تنتهي  بانفصال عنيف.. الخيانة اختبار، و قليل من الأحباء ينجحون، فهل ننجح؟ هل تتفهمين خطئي المجنون؟ هل تنتصرين لعشقي لكِ، و لموتي دونك؟ أتوسل لكِ، أن تكوني كبيرة كالعادة، ان تكوني آلهة لا ينتهي عطاءها كم عهدتك.
الندم يأكلني، يعتصرني، يتضاعف معه ألم الورم، احتراق في الليل و كأن قلبي تأكله شرارات من النّار، أتمنى لو أملك الفرصة من لدنِك كي أقلب كلّ شيء، كي أحارب حتى النهاية، لأنني لم أتوقع أن يتربص بي الموت بهته الطريقة.
حبيبتي، أعدك بأنني سأتعالج، العلاج ليس كيميائيا، طريقة العلاج أبسط، أنا، أحتاجك بشدة، أنا أموت دونك، ربّما كنت تظنينه تعبيرا مجازيا عن حب شديد، لكنه يصف بطريقة دقيقة حالتي الصحية..
أحيانا أظن أن معيار الزمن قد اشتغل بالمقلوب، أي أنّني نلت العقاب قبل الخطيئة، كان الورم السرطاني عقابا لخيانتي الهوجاء، العقاب قبل الخطأ، هل هذا ممكن؟
الأمر الوحيد الذي لا يتزعزع داخلي، ان شفيت أو رحلت، هو أن طاقة حبك لا تنضب، حبّك هبة من الحياة، نور، ترياق، أمل، عطاء، أي كلمة تصفه؟
حبّك نهاية النفق، عكس الظّلام، رسالة الالهة الى عبدها أن أحبّك فأطعني..
لن أستطيع العيش دون حبّك، فلتغفري لي يا حبيبتي، فلتغفري..

Comments

Post a Comment

Popular posts from this blog

تحت الضغط

وِحدة

هلع