Posts

Showing posts from September, 2022

هجرة مؤقتة بلا عودة.

Image
  حين هاجرت، قمتُ بالاقدام على الانتحار. أنا لا أكذب عليك هنا، لقد قمتَ بقراءة العبارة بالشكل الصحيح: لقد أقدمتٌ على الانتحار. حين تقوم بمغادرة بوابة المطار في بلدك، وتذهب الى بلدٍ آخر، بنية الهجرة لا بنية الزيارة، فأنت تموت هناك، تقع روحك على عتبات باب المغادرة، ولا ترحل معكَ أبدًا. حين تقلع الطائرة، تقلع معها روحك، وتصعد للسماء، فعلٌ مثل عملية الموت تماما وصعود الروح الى عالمٍ آخر. وحين تبلغ الطائرة مطار بلد الاستقبال، وتجد نفسك في بلد آخر، أنت لستَ أنتَ بعد الآن، بصفة نهائية أيضًا. لمَ أقول ذلك؟ لأنكَ تخسر كل شيء حرفيا: أصدقائك الذين كنت تذهب معهم كل يوم الى كل مكان، لم يعودوا معك الحانات الذي كنتَ ترتادها وتحبها، والمقاهي الصغيرة بالكراسي البيضاء البلاستيكية في الحي والتي كنتَ تحب الجلوس فيها لساعات في ساعات مراهقتك ثم ساعات شبابك الأولى، لم تعد على مرمى حجر منك، الى الأبد. صباح بيتكَ الدافئ مع العائلة، وابتسامة والدتك مع السابعة والنصف صباحا وهي تقدم لك القهوة بالحليب وسندويتش الزبدة ومعجون السفرجل الدافئ، انسَ ذلك تمامًا. هل تذكُر لعبك الأول وأنت طفل، ألفتك الكبيرة مع الشوارع وا

Allegro non troppo

Image
  Allegro non troppo الى أين قد تحملكَ الموسيقى؟ لا أعلم، لكن هاته المقطوعة مثلا، تحملك الى كل متناقضاتك. صدق من قال أنه يجب علينا الامتنان للموسيقى بالكثير، كيف كانت ستكون حياتي دون موسيقى؟ جحيمًا كبيرًا. تخيل أن أستعمل مترو الأنفاق النتن الصدأ الغبِر كل يوم دون موسيقى تصدع في أذني؟ او ان أتمشى في الحديقة الكبيرة القريبة من محل سكناي دون باخ أو هانز زيمر أو بوشناق ضاربة مرابض رأسي؟ سيكون ذلك كارثيا. للموسيقى قدرة سحرية على تحويل اليومي الى استثناء، وعلى تحويل المشاهد العادية الى لقطات من فلمٍ سنمائي. اليومَ، كالعادة، قمت بمحاولة لتجميل واقعي اليومي، ووضعتُ السماعات في أذني كي تزين الموسيقى المشاهد اليومية التي أراها، المتشردون النائمون على الطريق، سيارة البوليس وهي تلاحق بعض الهاربين، الفضلات الملقات على قارعة الطريق في كل مكان، وأركان المدينة الهائلة المرتفعة حتى ناطحات السحاب مطلة على الله محاولةً الحديث معهٌ مباشرة. تمشيتُ وتمشّيت، انعطفت مع شارع ميرتل الواسع، حيث تنتشر المطاعم والمقاهي والحانات على الجانبين،وكذلك مدخنو الماريخوانا الكُثر. في النهاية، الماريخوانا هنا ليست مباحة، لك

صبُّوا

Image
  لا أستطيع انكارَ كونِ أسوأ فتراتِ حياتي، كانت سنوات الطفولة وبداية المراهقة. حتى لو كانت الذكرى جميلة، في جُمليتها وكليتها، من ناحية النوستالجيا والذكرى والتذكر والصداقات العفوية البسيطة التي تتحول الى فانتازيا وردية بع د مضي سنوات، فان العوز والاحتياج كانا كبيرين بشكل مخيف. أتذكر ذهابي مع أمي للبنك في الصباح الباكر آخر كل شهر. كنا نستيقظ على الساعة السادسة والنصف صباحًا كي نذهب للبنك البعيد، لأنهم قد "صبوا" . من صبَّ ماذا؟ لم أكن أعلم. كل ما كنتُ أعلمُه، أنهم قاموا بصب أموالٍ لنَا، وأننا نستطيع تذوق اللحم نهاية الأسبوع هذا. كنتُ اسير مع أمي مسافة كيلومترين، من بيتنا في حي النور الغربي الى البنك وسط السوق المركزي بسيدي بوزيد، والسبب كان واضحا: دينارُ سيارة الأجرة غير موجودٍ تمامًا، وان وُجد، فقد ينفع في مآربَ أخرى. كنا نبلغُ البنك، كي تشير اليَّ أمي أن أجلس على احدى المقاعد الجانبية، وتذهب الى شباك الخدمات، كنتُ أسترق النظر محاولاً فهم ما يحصل، أحاول فهم تفاصيل المحادثة التي لم يكن يتناهى الى مسامعي شيءٌ منها. كانت أمي تخوض نقاشًا مع موظف البنك، صاحب النظارات السميكة والك